لو كان حياً ــ 1 ــ

.:: لو كان حياً ::.

ــ 1 ــ

...

..

.

Ambitious : بقلم

.

..

...

قطرات العرق تتصبب من جسده النحيل ... يعدل من جلسته ... ابتسامة صفراء يخفيها خلف يديه المشبوكتان بشكل عمودي أمام فمه ... يبدوا في قمة توتره وانفعاله ... الأنظار كلها متركزة عليه

.

.

يقطع الصمت الرهيب في القاعة صوت ذا نبرة جادة حزينة

الاستاذ جون : كفوا عن النظر إلى محمد فهو ليس له يد في ما يحدث لنا .ـ

تنصرف الأنظار إلى الأستاذ جون مما أعطى محمد نوع من الراحة المؤقتة.ـ

وقبل أن يتابع الاستاذ حديثه يتكلم أحد الطلبة ببراءة الأطفال

مايكل : ولكنه منهم .. كلهم هكذا يكرهوننا ويكرهون شعبنا ويريدون القضاء على حضارتنا.ـ

يوافقه الرأي بحماس طالب آخر

الكساندر : نعم نعم هؤلاء المسلمون وحشيون إرهابييون هم السبب في طرد أبي من العمل وإغلاق مدرستي الحبيبة لاضطر أن أمشي ساعة كاملة في البرد القارص إلى هذه المدرسة البعيدة حيث أنهم تسببوا أيضا ببيع سيارتنا الصغيرة و ...ـ

تقاطعه طالبة أخرى بأسى

كاثلين : نعم هذا صحيح ، لقد قال لنا أستاذ دارون أن هؤلاء المسلمون هم من تبنوا ما يسمى بالمقاطعة ضدنا ليدمروا أمتنا لكن لن تتحسن أوضاعنا ولن يرجع الوضع كما كان عليه إلا بالقضاء على آخر مسلم في هذا العالم !!ـ

.

.

يتنهد الأستاذ جون بأسى ... رباه كيف تسمح إدارة المدرسة لأستاذ عنصري مثل دارون أن يحشو أفكار هؤلاء الفتية الصغار بمثل هذه الافكار المتطرفة ؟؟

بل كيف استحق ذاك المتعصب لقب مدرس مع ماضيه الحافل بالعمل الدؤوب مع المؤسسات المسيحية العنصرية التي تدعوا علانية إلى إقصاء أي أثنية أو عرقية غير البيض المسيحيين البروتستانت تحديدا عن هذه الأرض وهذه البلاد.ـ

ياترى إلى أين ستقودنا مثل هذه الأفكار ...ـ

فجأة يقطع سرحان الأستاذ صوت صرخات طفولية ملؤها الألم .. ما الذي يجري ؟؟

يوجه بصره نحو مصدر الصوت ليرى أغلب الطلبة ، الذكور منهم خصوصا ، وقد انهالوا ضربا على محمد ذاك الفتى النحيل وصرخاتهم تعلوا المكان

" اقضوا على جميع المسليمن "

" أنت يا محمد عار على مجتمعنا "

" اذهب إلى الجحيم "

" هذا جزاؤك يا إرهابي "

تتجمد الدماء في جسد جون لهول الصدمة

ينقبض وجهه الأبيض الذي اكتسى بالحمرة غضبا

وماهي إلا ثواني أو ربما كانت أجزاءً من الثانية حتى انقض على الجمع صارخا : كفوا هذا الهراء ... أوقفوا هذه المهزلة !!ـ

يتوقف الجميع ماعدا ذلك الفتى القصير السمين

الكساندر وهو يهم بتوجيه لكمة بيده الفولاذية لوجه محمد الذي ينزف : لن أتوقف حتى يموت هذا الخنزير !!ـ

وقبل أن يسدد الكساندر لكمته تفاجأ بصفعة حارة جعلته يفقد توازنه ليسقط على الأرض مذهولاً

لم يستغرق وقتا طويلاً حتى يستعيد وعيه ليرى الاستاذ وهو يطلب من احد الطلبة مناداة ممرض المدرسة بينما هو منشغل بمسح قطرات الدم عن وجه محمد المتبلل بدموع الحسرة والالم .ـ

.

.

ينهض الكساندر منهاراً ليمسك خصر المدرس بكلتا يديه ليهزه بقوة الدموع التي تنهار من عينيه :ـ

لماذا لماذا لم تدعني اقتله !!ـ

هو سبب كل مانحن فيه

أبي يشحذ بالشارع

أمي لا تجد لقمة تطعمها أخي الذي لا يتجاوز عمره السنتين

أنا لم ألبس حذاءاً جديدا منذ عيد الكرسماس القبل الماضي

هو السبب

هو السبب

ثم بدأ الكساندر بتوجيه ضربات يائسة لخصر جون الأستاذ

أمسك جون يد الكساندر لتتوجه أبصار كل واحد منهما إلى الآخر بحدة

جون : الكساندر ما بك ؟؟

جون : أنت لست الكساندر الذي أعرفه !!ـ

يتابع جون حديثه الأبوي : الكساندر الذي أعرفه رغم صغر سنه إلا أنه رجل كبير بتفهمه وحياده وعقلانيته وتسامحه مع الناس.ـ

الكساندر وقد بدأت أعصابه تهدأ ودموعه تقل غزارتها: ولكن يا أستاذ ...ـ

يقاطعه جون : ولكن ماذا ؟؟ هل أنت مقتنع حقا أن محمد هذا الشاب الأسمر النحيل الذي جاء من تلك البلاد البعيدة طلبا للرزق والأمان في بلدنا ... أتظن أن هذا الشاب الذي عرفنا عنه كلنا طيبته ودماثة خلقه .. أتظن أنه السبب في كل المآسي التي حصلت لك ولعائلتك ؟؟ هل أنت مقتنع فعلا بهذا ؟؟

طأطأ الكاسندر رأسه بالارض خجلاً

مسح جون بقية الدموع في وجه الكساندر ثم رفعه قائلا : يا بني .. ان مايحصل لبلدنا من مقاطعة عنيفة هو ليس بسبب محمد او غيره من المساكين اللذين يعيشون بيننا ، إن سبب هذه المقاطعة هو ماجنته أيدي حكومتنا التي اهانت المسلمين كلهم ولم تضع لهم أي اعتبار. ـ

يتابع جون بحماس : نحن من جلبنا هذا لانفسنا ونحن من سندفعه عن أنفسنا يا الكساندر .ـ

يتمتم الكساندر بنبرة يغلبها اليأس وعدم اليقين : أتمنى يا أستاذ أتمنى .ـ

جون يلتفت إلى محمد الذي كانت بجانبه إحدى الطالبات ، كارلا ، وهي تجلس مقابلةً له واضعةً يمينها بيمينه وتمسح باليسرى بقايا الدموع المصبوغة بلون الدم .ـ

جون : انظر يا الكساندر ماذا فعلت أنت وصحبك بتهوركم ... أيرضيك أن يحصل لك مثل هذا لو كنت مغتربا في بلد محمد ؟!ـ

هز الكساندر رأسه نفياً وفهم المقصود

توجه إلى محمد على استحياء

الكساندر : محمد .. أنا آسف .. لقد قادني تهوري أن أعاقبك لأمر لا يد لك فيه ... أتمنى أن تسامحني وتسامح رفاقي.ـ

محمد يبتسم بصعوبة نتيجة آلامه : قالها حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم من قبل لقومه اللذين آذوه وهجروه ..اذهبوا فأنتم الطلقاء .. وأنا أقولها لكم اليوم اقتداءاً به وبسنته السمحة.ـ

ابتسم الكساندر وبادله محمد الإبتسامة.ـ

أتى الممرض بعدة التضميد ليضمد مايمكن تضميده.ـ

وحيث أن حالة محمد أصبحت لا تسمح له باكمال بقية اليوم في المدرسة ، تم الإتصال بوالده لأخذه إلى البيت.ـ

لم تمضي ربع ساعة حتى وصل والدا محمد وعلى وجهيهما علامات الخوف والخشية على فلذة كبدهما.ـ

قابلهما الأستاذ جون فطمأنهما على محمد وتأسف لهما أشد الأسف عما بدر من طيش من الطلبة شارحا الموقف باختصار وبمحاولات مفضوحة لعدم جرح أحاسيسهما المجروحة أصلاً من كل وسائل الإعلام في هذا البلد.ـ

تفهم الوالدان الوضع، كما اعتادوا على تفهم كل اسائة توجه لهم في الآونة الأخيرة ، شكرا الأستاذ جون على حسن إدارته للوضع وحملا محمد الذي يبدوا أنه لا يستطيع المشي لكسر اصاب رجله .ـ

.

.

محمد فتى خجول هاديء الطباع لم يتجاوز العاشرة من عمره إلا أنه كان قمة في معاملته وأخلاقه .. يحرص كل اسبوع على حضور مدرسة الأحد الإسلامية للناشئين في مسجد المدينة الكبير حيث يتعلم من الدين ما يصفي به عقيدته و من الشرع ما يعلمه واجبه نحو ربه ومن الأخلاق ما يزيد الناس حبا فيه وتقديرا له .ـ

كذلك يحرص على الذهاب إلى صلاة الجمعة في ذات المسجد كل اسبوع حيث اعطته المدرسة استثناءاً من مقرر الديانة المسيحية الذي يكون عادة ظهر أيام السبت والأربعاء والجمعة مما يعطيه الفرصة لحضور صلاة الجمعة مع الجماعة.ـ

.

.

يقود عبدالرحمن السيارة بدون تركيز

تجاوز إلى الآن ثلاث إشارات حمراء وكاد لولا لطف الله أن يصطدم بعجوز تجر عربة مشترواتها في الشارع !!ـ

الجو في السيارة جد مكهرب ولا أحد يجرأ أن يرد على الأب الذي لم يسلم كائن حي أو ميت في الشارع من سبابه وشتائمه

يهتف محمد بضعف من المقعد الخلفي : كفى يا أبي كفى هذه ليست أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم.ـ

يرد عبدالرحمن بعصبية : هؤلاء يابني لا يستحقون أن نعاملهم بأخلاق نبينا العظيم

ييلتفت إلى حيث يجلس محمد غير مبالي بحركة السيارات في الطريق السريع

عبدالرحمن : ألا ترى يا بني ماذا فعلوا بجسدك النحيل ؟!ـ

يكمل : ألا ترى أننا الآن ذاهبون إلى المستشفى لنكشف على رجلك ؟!ـ

تعلو نبرة صوته : أتعلم أنه لو ثبت ان رجلك كسرت سنظطر لصرف كل مانملكه الآن من مال قليل لا يكاد يكفي قوت يومنا على علاج رجلك ؟!ـ

تصرخ سمية التي تحضن ابنها محمد في المقعد الخلفي : أرجوك يا ابا محمد سق السيارة بحذر واترك عنك هذا الكلام ، ما ذنب الولد في كل ما تقول ؟! ألا يكفي ما هو فيه ؟!ـ

تمسح الأم على ولدها بحنان : لا عليك يا ولدي ، ستتعالج وستعود تمشي مثل بقية الأولاد ولو كلفتنا الدنيا بما فيها .. هل لدينا غير محمدٍ واحد ؟!ـ

أما محمد فقد صار يتمتم بأسى : لقد كان الكساندر محقا ، أنا السبب في كل مصائب هذا العالم .. أنا السبب .. أنا السبب !!ـ

كان قلب عبدالرحمن يتقطع ألما وهو يسمع كلام ابنه

لم يكن يقصد أن يجرح مشاعر ابنه ولكنها العصبية ملكت قلبه فصار لا يرى إلا السواد !!ـ

التف مرة أخرى إلى حيث يجلس محمد وأمه وقال بأسف : آسف يابني لم اقصد ما قلت.ـ

يكمل : أنت يا محمد أغلى ما أملك في هذه الدنيا ولو اضطررت أن ....ـ

وقبل أن يكمل حديثه تصرخ سمية بهلع وهي تشير إلى الأمام : لاااااااااااااا !!!!ـ

يرجع عبدالرحمن بسرعة إلى مقوده ليرى أنه على بعد عشرة أمتار من صف من السيارات يقف أمام الإشارة وسرعته قد تجاوزت الثمانين كيلو مترا بالساعة !!!ـ

أراد أن يستعمل الفرامل ولكن من فرط الصدمة ضغط بأقصى قوته على مكبس السرعة !!!!ـ

.

.

يبدوا أن القضية أكبر من إنفاق قوت العائلة في علاج طفلها المضطهد !!ـ

هل أصيب أحد في الحادث ؟؟

هل مات أحد ؟؟ حتى يصبح السؤال عقلانياً أكثر .. هل عاش أحد ؟؟

هل ستستطيع هذه العائلة الصغيرة أن تستمر في هذا البلد حيث الأزمات في أوجها والإضطهاد على أشده ؟!ـ

كيف سينظر المجتمع ووسائل الإعلام لهذا الحادث المريع الذي تسبب به مسلم متهور لا يعرف القيادة ؟؟

ماذا عن ردود أفعال ومواقف زملاء محمد في المدرسة ؟؟

ماذا عن ذاك الاستاذ العنصري .. دارون ؟؟

ما أثر هذه الحوادث وغيرها في سير إنتخابات الحكومة التي هي على الأبواب ؟؟

.

.

أسئلة كثيرة تنتظر إجابات مفصلة.ـ

ترقبوا الحلقة الثانية !!ـ

.

.

.

إلى ذلك الحين .. اترككم مع هذا المقطع.ـ

.

.

.

جميع حقوق اللطش محفوظة للطموح .. يسمح بنقل القصة شرط ذكر الكاتب ومدونته !!ـ

===================

...

..

.

كانت هذه أول محاولة حقيقية لي في عالم التأليف

القصة كانت أحداثها كاملة في بالي من شهر

لكني لما بديت أكتب قمت أشط وأتشعب بنقاط ماتخيلتها من قبل

ماكنت أبي أطق الولد مسكين ولا كنت أبي أخلي أبوه يدعم لكن يبدو أن هذا تأثير عصير التفاح الطبيعي تالي الليل " ركزوا على طبيعي لحد يفهم غلط " !!ـ

سأكون سعيد بارائكم وانتقاداتكم البنائة وراح نحاول نستفيد منها بالأجزاء القادمة " إذا الأحداث بتمشي جذي شكله يبيلنا مابين خمس إلى عشر أجزاء " !!ـ